الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة ادعت أنه طلقها وهي حائض وينكر الزوج ذلك: قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم: أن القول قول المرأة، ويجبر على الرجعة، وهو قول سحنون. وجه هذا أن المرأة مصدقة في الحيض وموتمنة عليه. ووجه القول الأول أنها مدعية على الزوج ما يوجب لها الرجوع إلى عصمته من طلاقه إياها في حال لا يجوز له، وبالله التوفيق. .مسألة النصرانية تسلم تحت النصراني ثم يسلم زوجها بعدها فيريد رجعتها: قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا على خلاف أصله في نوازله من كتاب العيوب، في الرجل يشتري العبد، فيحدث به بعد الشراء بمدة برص أو جذام، فيدعي أن العهدة لم تنقض وأن ابتياعه إنما كان منذ ستة أشهر، ويقول البائع: بل بعتكه منذ عام أو عامين، إن القول قول البائع؛ لأن المبتاع مدع يريد رد العبد على ما روى عنه عبد الأعلى إن القول قول المبتاع، ويرد العبد، وهو مذهب سحنون. قال: القول قول البائع، خلاف مما أجمع عليه أصحابنا في التمييز بين المدعي والمدعى عليه، ومن لزمته العهدة، فادعى أنها قد انقضت فهو المدعي، وعليه إقامة البينة؛ لأن دعوى انقضاء العدة كدعوى انقضاء العهدة، يدخل فيها من الاختلاف ما يدخل في دعوى انقضاء العهدة، وبالله التوفيق. .مسألة قال لامرأته أنت طالق ألبتة إن كنت حائض قالت أنا حائض: قال محمد بن رشد: قوله: فلا يقيم على الشك، يريد ويفرق بينهما بالحكم، هذا مذهب أصبغ فيما كان من هذا النوع مما يحلف الحالف فيه على غيره فيما قد مضى، فيكون الشك فيه قائما؛ إذ لا يعلم حقيقته إلا من جهته، ولا يدري هل صدقه؟ مثل أن يقول امرأتي طالق إن كنت تبغضني أو إن لم تصدقني فتقول: أنا أحبك، ويخبره، ويزعم أنه قد صدقه وما أشبه ذلك. وابن القاسم يرى في مثل هذا أنه يؤمر ولا يجبر. وقد مضى هذا المعنى في رسم القطعان من سماع عيسى. .مسألة صالح امرأته على أن ترضع ولده سنة: قال محمد بن رشد: هذا من قول أصبغ على أصله، في أن الصلح بالحرام يمضي، ولا يفسخ؛ لأنه صلح بحرام؛ لأنها قد ملكت بضعها على أنها بالخيار في شيئين، يجوز تحويل أحدهما في الآخر لأنه دين بدين، وذلك حرام. ألا ترى أنه لو استأجرها على رضاع ابنه سنة يعرض دفعه إليها، على أنها بالخيار بين أن ترضعه السنة أو تدفع إليه عشرة دنانير؟ لم يجز، وكان ذلك حراما؛ لأنها إن أرضعته فقد فسخت العشرة التي ملكت فيها في الرضاع؛ فكان ذلك دينا بدين، والذي يأتي على قول الجمهور في هذه المسألة، أن يفسخ الصلح ويمضي الطلاق ولا يكون عليها شيء، أو يكون عليها خلع مثلها على ما مضى من تحصيل القول في ذلك في رسم حلف من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. .مسألة عترض عن امرأته فضرب له أجل سنة: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن لها أن تطلق متى شاءت، ومعناه بعد الأجل الذي أنظرته إليه؛ لأن الطلاق على المعترض عن امرأته بعد السنة، وعلى المولي بعد الأربعة أشهر ليس بلازم، وإنما هو حق لها على الزوج في ألا يزاد على أحد هذين الأجلين شيئا، فإن رضيت هي بأن تزيده على أحدهما كان ذلك لها، ولا يبطل بذلك ما وجب لها من الحق في أن تطلق نفسها عند الأجل. وقد قال أصبغ: بعد أن تحلف ما كان تركها له عند الأجل الأول تركا للأبد، ولا رِضًى منها بالإقامة عليه على ذلك الارتجاع فيه، وتنظر، ولترى رأيها، وذلك بعيد؛ لأنها إذا قالت: أنا أنظره إلى أجل كذا وكذا، فقد بينت أنها على حقها عند الأجل الذي أنظرته إليه، فلا وجه ليمينها، وإنما يختلف لو تركته بعد وجوب القضاء لها، بمضي الأجل شهرا أو شهرين، ثم أرادت أن تطلق عليه، وقالت: إنما أقمت متلومة عليه، فقال مالك في رواية ابن القاسم عنه: ذلك لها، واختلف قوله في يمينها على ذلك. وقال ابن وهب في سماع يحيى من كتاب التخيير والتمليك، وأشهب في سماع عبد المالك منه: ليس ذلك لها، وقد سقط ما كان بيدها، وبالله التوفيق. .مسألة المعترض عنها زوجها فترفع ذلك إلى السلطان: قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم الطلاق من سماع يحيى فلا معنى لإعادته. .مسألة الحصور الذي لا يقدر على المسيس هل يضرب له أجل المعترض: قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأن الأجل إنما يضرب للمعترض، رجاء أن يتداوى فيطلق من اعتراضه، ويلم بأهله، فإذا لم يكن في ذلك رجاء، لم يكن لضرب الأجل معنى. .مسألة لا يجد ما ينفق على امرأته فيتلوم له ثم يجاب: قال محمد بن رشد: قال في هذه المسألة: إن الطلاق لا يعجل عليه، ويتلوم له أيضا ثانية. وقال في أول السماع في امرأة المعترض والمولي إذا أنظرتاه بعد الأجل الواجب في ذلك، إلى أجل آخر، إن لهما أن يطلقا عند الأجل الذي أنظرتاه إليه، ولا يستأنف لهما في ذلك ضرب أجل آخر، والفرق بين الموضعين، أن الأجل للمعترض والمولي سنة متبعة، لا مدخل للاجتهاد فيها، فإذا حكم بها ووجب للمرأة القضاء بتمام الأجل، لم ينتقض الحكم الماضي بتأخير المرأة ما وجب لها من الحق إلى أجل آخر، والتلوم للعاجز عن النفقة ليس فيه حد محدود، ولا سنة متبعة، وإنما فيه الاجتهاد من العلماء، فإذا رضيت بالمقام معه بعد أن تلوم له، بطل ذلك التلوم، ووجب ألا تطلق عليه إذا قامت ثانية إلا بعد تلوم آخر، وبالله التوفيق. .مسألة طلق امرأته وهي حامل ثم مات: قال محمد بن رشد: يريد أنه يطلقها ثلاثا أو طلقة بائنة، ولا مسكن له ثم مات وهي حامل، فرأى أن السكنى قد وجب لها في مال الزوج بالطلاق قبل الوفاة، ولا تسقط بموته، كما تسقط النفقة، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، قال هاهنا: لأن السكنى أوكد من النفقة، وإنما قال: إنه أوكد من النفقة، من أجل أن المتوفى عنها زوجها وهى حامل يكون لها السكنى إن كانت الدار للميت، أو كان قد نفد كراؤها إن كانت بكرا، ولا نفقة لها، فليست بحجة بينة؛ إذ لم يتكلم على أن الدار للميت. والصواب أن السكنى تسقط كما تسقط النفقة، كما أنه إذا مات ولم يطلق، لا يجب لها في لماله سكنى ولا نفقة، وهي رواية ابن نافع عن مالك في المدونة، وإجماعهم على أن النفقة تسقط بالموت حجة على أن السكنى يسقط بالموت أيضا؛ إذ لم يجب جميعه في ماله بالطلاق، وإنما يجب عليه شيئا بعد شيء، فما لم يأت منه لم يجب عليه بعد، ولا تقرر في ذمته، بدليل أنه لو أعسر في حياته، لسقط عنه السكنى، فوجب أن يسقط عنه بموته، كما تسقط عنه النفقة بموته، وكذلك قال يحيى بن عمر: إن السكنى ينقطع بموته، كما تنقطع النفقة، ففي جعل ابن القاسم جميع الكراء متقررا في ذمته بالطلاق، وهو لم يأت بعد نظر، فرواية ابن نافع عن مالك، هي التي يوجبها النظر، ولو كان الطلاق رجعيا لم يختلف في أن السكنى تسقط، كما تسقط النفقة؛ لأن المرأة ترجع إلى عدة الوفاة إذا مات زوجها وهي في العدة من الطلاق الرجعي، والمعتدة من الوفاة لا سكنى لها في مال الميت، إذا لم تكن معه في مسكن يملكه، ولا إذا إكراه، وكذلك لو كان المسكن للميت فطلقها ثلاثا وهي حامل، ثم مات، لسقط السكنى أيضا على قياس رواية ابن نافع عن مالك في المدونة، ولا يسقط على مذهب ابن القاسم، ولو قال قائل: إنه لم يتكلم في رواية أبي زيد إلا على أن المسكن للميت بدليل قوله: لأن السكنى أوكد من النفقة؛ إذ لا يكون السكنى أوكد من النفقة إلا إذا كانت الدار للميت، ويقام تعليله، إن المسكن إذا لم يكن للميت يسقط السكنى عنه كما تسقط النفقة لكان تأويلا ظاهرا، يؤيده أن ذلك منصوص لابن القاسم في المدنية قال فيها: إن كانت الدار للميت أو كانت بكرا فنفد الكراء لم يسقط حقها في السكنى بموته، وإن لم تكن الدار للميت سقط حقها في السكنى بموته، ولم يجب لها في ماله شيء، ويتحصل في المسألة على هذا ثلاثة أقوال: أحدها: أن السكنى يسقط كما تسقط النفقة، كانت الدار للميت أو لم تكن، وهو الصحيح في القياس الذي يأتي على قياس رواية ابن نافع عن مالك، والثاني: أنه لا يسقط، كانت الدار للميت أو لم تكن، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة؛ لأنه إذا لم يسقط حقها إذا لم تكن الدار للميت، فأحرى ألا يسقط إذا كانت الدار للميت، والثالث: أنه يسقط إذا لم تكن الدار للميت، ولا يسقط إذا كانت الدار له، وهو نص قول ابن القاسم في المدنية والذي يقوم من هذه الرواية على هذا التأويل. .مسألة تفسير المفقود: قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، ومضى في أول سماع أشهب، وفي رسم أسلم من سماع عيسى وفي غيره من المواضع جمل كافية من أحكام المفقود، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق. .مسألة النصرانية يطلقها زوجها النصراني فتحيض حيضة فيتزوجها مسلم: قال محمد بن رشد: قوله: لأن مالكا قد كان يقول قديما تجزيها حيضة، يدل على أن الذي رجع إليه أنه لا يجزيها، إذا أراد المسلم أن يتزوجها إلا ثلاث حيض، وهو الذي في المدونة، فعلى قوله فيها يفسخ النكاح إن تزوجها قبل ثلاث حيض، وهو قول ابن وهب في كتاب ابن المواز وهذا الاختلاف يدخل في المعنى في النصرانية يطلقها المسلم؛ لأن الأصل في اختلافهم في الكفار، هل هم مخاطبون بشرائع الإسلام أم لا؟ فعلى القول بأنهم مخاطبون بشرائع الإسلام، لا يجوز للمسلم أن يتزوجها إذا طلقها زوجها، مسلما كان أو نصرانيا إلا بعد ثلاث حيض، وتمنع من نكاح نصراني إذا طلقها مسلم إلا بعد ثلاث حيض، وعلى القول بأنهم غير مخاطبين بشرائع الإسلام، يكتفى في ذلك كله بحيضة، على القول بأن الحيضة الواحدة هي للاستبراء، والاثنتان عبادة لغير علة، وكذلك المجوسية إذا أسلم زوجها فأبت الإسلام، يدخل فيها هذا الاختلاف، وهو موجود أيضا. حكى ابن المواز عن ابن القاسم من رواية أبي زيد عنه أنها تستبري نفسها بالحيضة. وقال أحمد بن ميسر: بثلاث حيض؛ لأنها عدة من مسلم. ذكره ابن حارث. فيتحصل في الكتابية إذا مات عنها زوجها المسلم، وقد دخل بها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر، وهو أحد قولي مالك، على القول بأن الكفار مخاطبون بشرائع الإسلام، والثاني: أنها تعتد بثلاث حيض، وهو قول مالك الثاني، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بشرائع الإسلام، وأن الثلاث حيض كلها استبراء، والثالث: أنها تعتد بحيضة واحدة، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بشرائع الإسلام، وأن الحيضة الواحدة استبراء، والاثنتان تعبد ولا يجب عليها في الوفاة قبل الدخول عدة، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بشرائع الإسلام. وقد حكى هذا القول عن مالك ابن الجلاب. .مسألة اغتصب امرأة فحملت منه: قال محمد بن رشد: قوله: إن الحامل من زنى لا يجوز لزوجها أن يطأها صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن النهي الشديد قد جاء في ذلك عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، روي عنه أنه قال: وقد رأى امرأة عند خباء أو فسطاط، يريد حاملا، والله أعلم: «لعل صاحب هذه أن يلم بها، لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟ وكيف يسترقه وهو لا يحل له»، وفي حديث آخر: «ويحه، أيورثه وهو ليس منه؟ أو يستعبده، وقد عداه في سمعه وبصره»، فإذا وطئ الرجل أمته وهي حامل من غيره أدب، إلا أن يعذر لجهالة، ولا اختلاف في هذا، وإنما اختلف هل له أن يباشرها أو يقبلها أم لا؟ على قولين، الصحيح منهما، أن ذلك لا يجوز له، وهو قول مالك، ومن أهل العلم من يوجب على الرجل إذا وطئ أمته وهي حامل من غيره عتق ما في بطنها، من أجل أنه قد عداه في سمعه وبصره، كما جاء في الحديث، ويرى الحكم عليه بذلك، وهو قول الليث بن سعد، ومنهم من لا يرى الحكم عليه بذلك، ويستحب له أن يفعله، وهو دليل قول مالك في الواضحة ونص قول ابن حبيب فيها، وقد قيل: إنه إنما يستحب له أن يعتقه لاحتمال أن يكون ما ظهر بها من حمل ليس بحمل، فلما وطئها حملت منه، فعلى هذا التأويل لا يستحب له عتقه إلا إذا ولدته لما يلحق به الأنساب من يوم وطئها، ومن أهل العلم من يريد أنه يثبت نسب الحمل منه بوطئها وهي حامل، فيكون ابنا له وللذي كان الحمل منه، وهو شذوذ يرده قوله في الحديث: «أيورثه وليس منه»؟. وكذلك قوله: إن طلقها وهي حامل، فلابد من ثلاث حيض بعد الوضع صحيح أيضا، لا اختلاف فيه؛ لأن الحمل يمنع من الحيض، كما يمنع منه الرضاع، فوجب ألا يحل إلا بثلاث حيض بعد الوضع، كما لا تحل المطلقة وهي ترضع ولا تحيض إلا بثلاث حيض بعد الرضاع، وكذلك لا اختلاف أعلمه في المذهب أنه إذا طلقها بعد أن زنت قبل أن يستبريها، ولا حمل بها، يدخل الاستبراء في العدة، وإذا كان مالك يقول في التي تتزوج في عدتها ويدخل بها الزوج، إنه يجزي من الزوجين جميعا ثلاث حيض من يوم دخل بها الزوج الثاني، فهذا أحرى. .مسألة تطلق وهي ترضع: قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وقد مضى القول على هذه المسألة، وما يتعلق بها في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وفي رسم الطلاق من سماع أشهب، وفي رسم استأذن من سماع عيسى، وفي غيرها من المواضع فلا معنى لإعادته. .مسألة هلك وترك دارا وعليه دين: قال محمد بن رشد: قد روي عن سحنون، أنها إن ارتاب المرأة كان المشتري بالخيار، بين أن يفسخ البيع عن نفسه، أو يتماسك به على ألا يرد عليه البائع شيئا، ومثله في الواضحة وإياه اختار محمد بن المواز قال: لأن البيع إنما يقع على استثناء العدة المعروفة، ولو وقع البيع بشرط الاسترابة، كان فاسدا، واعترض ذلك أبو إسحاق التونسي، فقال: إذا كان البيع بشرط الاسترابة لا يجوز؛ إذ لا يدرى أيكون سنة أو خمس سنين؟ فأما إذا ملك الخيار في الأخذ أو الرد، كان أخذه على أن يسكن المرأة إلى انقضاء ريبتها، كابتداء الشراء على ذلك، إلا أن يكون هذا القول على أحد التأويلين فيمن خير بين شيئين فاختار أحدهما لا يعد كأنه أخذ ما ترك، ففسخه في الذي أخذ، ولا أدري ما معنى قول أبي إسحاق إن ذلك إنما يتخرج على أحد التأويلين في المسألة التي ذكر؛ إذ لا اختلاف أحفظه فيها، كما لا اختلاف في أنه لا يجوز أن يبيع الرجل سلعة بعشرة نقدا أو خمسة عشر إلى أجل، على أن البيع لازم له بأخذ الثمنين، أيهما شاء، وإنما يتخرج جواز ذلك على القول بأن من اشترى سلعا فاستحق منها جلها على العدد، فله أن يتماسك بما بقي منها بما ينوبه من الثمن، وإن كان مجهولا لا يعرف إلا بعد التقويم، ويحتمل أن يكون معنى قول محمد بن المواز: إنه مخير بين أن يرد البيع أو يتماسك به، على أنه بالخيار في الرد له، ما لم تنقضِ الريبة، لا على أنه يتماسك به، على أن البيع لازم له، طالت الريبة أم قصرت. وهذا أولى ما حمل عليه قوله: وقال محمد بن عبد الحكم لا يجوز البيع على شرط سكنى المرأة عدتها، ويفسخ لأنه غرر وخطر، وبالله التوفيق. .مسألة الجارية تباع وهي ترضع بكم تستبرأ: قال محمد بن رشد: الفرق بين أن تباع الأمة وهي ترضع، أو تطلق وهي ترضع، أن الحيضتين للأمة في الطلاق عبادة، فلا تنتقل عنها إلا إلى الأشهر، إلا أن تكون من الآيسات، لقول الله عز وجل: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4]، والمرضع ليست من الآيسات، ولا من المرتابات، إذا علم السبب الذي من أجله تأخر الحيض عنها، وأن الحيضة في الأمة المبيعة ليست بعبادة، وإنما هي استبراء، ليعلم بها براءة رحمها، وبراءة رحمها يعلم بالثلاثة أشهر؛ إذ قد علم أن الحيض لم يتأخر عنها لريبة، وإنما تأخر بسبب الرضاع، وأما قوله في التي توفي عنها زوجها وهي ترضع، إنها تعتد بشهرين وخمس ليال وإن لم تحض، إلا أن تستريب، فالريبة إنما تكون هاهنا بحس تجده في بطنها، فإن وجدت ذلك فلا تحل حتى تذهب تلك الريبة عنها، وتبلغ إلى أقصى أمد الحمل، وأما إن لم تسترب، فتنقضي عدتها التي فرض الله عليها بالشهرين وخمس ليال، كما قال: فيسقط عنها الإحداد، ويسقط حقها في السكنى، إلا أنها لا تتزوج إن كانت مدخولا بها حتى يمر بها ثلاثة أشهر، فيعلم أنها لا حمل بها؛ لأن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، وبالله التوفيق. .مسألة له زوجتان سلامة وميمونة فقال لسلامة أنت طالق يوم أطلق ميمونة: قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأنه إذا قال لسلامة: أنت طالق يوم أطلق ميمونة، فطلق ميمونة، وكان بطلاقه إياها قد طلق سلامة، ولما كان طلاق سلامة بطلاقه ميمونة، وقع الطلاق على ميمونة، لقوله لها: أنت طالق يوم أطلق سلامة، وكذلك إن بدأ بسلامة فطلقها، كان بطلاقه إياها قد طلق ميمونة، ولما طلق ميمونة بطلاقه سلامة، وقع الطلاق على سلامة لقوله لها: أنت طالق يوم أطلق ميمونة، فهذا ما لا إشكال فيه، والمسألة متكررة في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق. .مسألة قال لامرأته أنت طالق إن استكملت في هذا البيت سنة: قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه حلف على امرأته بهذه اليمين، والمرأة ساكنة في البيت، فحمل يمينه على أنه أراد ألا يتمادى في سكناه سنة، فجعل السنة التي حلف عليها تتعين من يوم اليمين، لكونها ساكنة في البيت يوم اليمين، ولذلك قال: إنها إن سكنته أحد عشر شهرا ثم انتقلت عنه ثم عادت إليه فسكنته سنة، إنه لا حنث عليه. وعلى هذا التأويل، ساوى بين أن يقول: إن استكملت أو إن سكنت، ولو لم تكن ساكنة في البيت يوم اليمين، فقال لها: أنت طالق إن سكنت بيت كذا سنة، أو إن استكملت السكنى في بيت كذا سنة، لوجب أن يحنث متى ما سكنت فيه سنة متصلة أو مفترقة؛ لأنه نكر السنة التي حلف عليها بقوله: سنة فلم يعينها، ولا عرفها بتسميته ولا بإشارة إليها. فكان كمن حلف ليصومن سنة كاملة. أو أن لا يصوم سنة كاملة، فحنث، إنه يبر إن حلف ليصومن سنة كاملة، بصيام سنة مفترقة، ولا يحنث إن حلف ألا يصوم سنة كاملة، إلا بتمام صيام سنة كاملة متصلة أو مفترقة، إلا أن ينوي صلاة متصلة على مذهبه في المدونة أن من نذر أن يصوم، أنه لا يلزمه صيامها متتابعة، إلا أن ينوي ذلك، خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب في ذلك، وإنما تعين السنة بلفظ النكرة في الكراء خاصة، من أجل أن الكراء لا يجوز على سنة غير معينة، فإذا قال الرجل للرجل: أكريك الدار سنة، تعينت السنة من يومئذ لهذه العلة، وبالله التوفيق. .مسألة حلف بالطلاق أنه لا يأتي أهله نهارا: قلت: أرأيت إن كانت عنده امرأتان، فكان يبيت عند إحداهما ولا يبيت عند الأخرى قال: لا تطلق عليه. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله عز وجل جعل الليل سكنا ليسكن الرجل فيه إلى أهله، والنهار مبصرا ليبتغي فيه الرجل من فضل ربه، فقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [القصص: 72]، وقال تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73]، يريد تعالى لتسكنوا في الليل، ولتبتغوا من فضل الله بالنهار، فوجب ألا يكون على من حلف ألا يأتي أهله نهارا شيء؛ لأنه حلف أن يفرغ نهاره لما جعله الله له، وأن يكون الرجل في حلفه ألا يبيت عند امرأته مضرا بها؛ لأنها لم تتزوجه إلا لتسكن إليه ويسكن إليها في الحين الذي جعله الله وقتا للسكون، وهو الليل، فمرة استحق ذلك ولم يره من الضرر الذي يجب به الطلاق عليه، ومرة رآه من الضرر البين الذي يجب به أن يطلق عليه بعد التلوم وهو الأظهر، لما قدمناه من دليل كتاب الله عز وجل. ولا إيلاء عليه بحال؛ لأن الإيلاء إنما هو على من حلف على ترك الوطء جملة، وهو إنما حلف على ترك الوطء بالليل دون النهار، وكذلك الذي يبيت عند إحدى امرأتيه، ولا يبيت عند الأخرى، لا تطلق عليه على القول الواحد، وتطلق عليه على القول الثاني بعد التلوم وهو الأظهر؛ لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لرافع: «يا رافع اعدل بينهما وإلا ففارقهما». .مسألة دعا امرأته لحقه فلم تجبه فقال إن قمت ولم تفعلي فما أنت بامرأة: قال محمد بن رشد: قوله: يريد بذلك الطلاق، يدل على أنه لو لم يرد بذلك الطلاق، لم يكن عليه شيء، مثل ما في التخيير والتمليك من المدونة وقال: إنه إن أراد بذلك الطلاق فهو ثقيل، ولم يبين ما يلزمه، والذي ظهر إلى الراوي من معنى قوله: إنه البتات كذلك، روى أصبغ عنه نصا أنه ثقيل، والاحتياط فيه البتة، وقال أصبغ: هو جميع الطلاق، ظاهر قوله في وجه الحكم، واللزوم ليس من باب الاحتياط كما قال ابن القاسم. وقال عيسى بن دينار: هي واحدة، وقول ابن القاسم: هو الصحيح، لاقتضاء اللفظ له؛ إذ لا تخرج على أن تكون له امرأة إلا الطلاق، البتات؛ لأن المطلقة واحدة أو اثنتين باقية في العصمة، ما لم تنقض العدة ترثه ويرثها، وتجب عليه نفقتها، ويملك رجعتها، وقد كان بعض الشيوخ يفتي من هذه المسألة في نازلة تنزل عندنا كثيرا، وهي الرجل يحلف على امرأته، فيقول: بالله إن فعلت كذا وكذا إن كنت لي بامرأة، أو الطلاق علي ثلاثا أو الأيمان لي لازمة، أو علي المشي إلى مكة، إن فعلت كذا وكذا، إن كنت لي بامرأة إن الطلاق يلزمه بقوله: إن كنت لي بامرأة، ولا يراعى عقد يمينه ويقول: إنما معنى ذلك أنه حلف أنه قد طلقها، وذلك لا يصح؛ لأنها يمين منعقدة، يصح فيها البر والحنث، والمعنى فيها: والله أو الطلاق ثلاثا علي إن فعلت كذا وكذا لأطلقنك طلاقا لا تكون لي بامرأة فيبر في يمينه بأن يباريها بطلقة واحدة يملكها بها أمر نفسها حتى لا تكون له بامرأة، وبالله التوفيق.
|